موضوع فلسفة 4 اداب . تتاسس علاقة الانا مع الغير على الصداقة .ما رايك ؟

الموضوع: تتاسس علاقة الانا مع الغير على الصداقة . ما رايك ؟

التحرير

التقديم

لقد اظهرت مختلف الدراسات التي قدمتها العلوم الانسانية ان الانسان يكتسب كل كل مقومات وجوده وانسانيته من خلال الاخر الذي ينفتح عليه منذ نعومة اظافره وهو المجتمع , وهي كذلك الحقيقة التي توصلت اليها الفلسفات الاغريقية والاسلامية وعبر عنها ابن خلدون من خلال تبنيه مقولة ان الاجتماع البشري ضروري لحفظ النوع الانساني لكن هذا الوجود معا هو الذي يبين ان العلاقة مع الغير رغم ضرورتها الا انها قد تحوله الى عدو معرقل للذات وهو ما يدفعنا للقوف على حقيقة علاقتنا به .

اية علاقة يمكن ان تجمع الانا بالغير : هل هي علاقة صداقة واحترام أم انها علاقة صراع ونفور واقصاء تنتفي فيها كل المظاهر الايجابية من تسامح ,حوار وغيرية ؟ هل ان علاقتي بالاخر هي علاقة خلاف ام اختلاف ؟

الجوهر

من الصعب حصر العلاقة بين الانا والغير في قالب واحد الصداقة او العداوة بل هي علاقة تتخذ مظاهر متعددة ومختلفة مثل الحب/الكراهية الصداقة / العداء البعد / القرب الاقصاء/ الاعتراف ...هذا التعدد الذي يميز التجربة الانسانية تفرضه عوامل عدة منها ماهو ذاتي يرتبط بالفرد ومنها ماهو اجتماعي يتعلق بالمجتمع واكراهاته وتشريطاته . عموما وقبل الخوض في معالجة هذا الاشكال علينا الوقوف على معانيه ومفاهيمة المؤطرة له وهي : الانا الذي يقصد به تلك الذات الواعية التي تتسم بمجموعة من الخصائص منها الحرية والارادة والمسئولية والقدرة على التمييز ... والحديث عن الانا يستوجب بالضرورة الحديث عن الغير والمقصود به هنا الاخر الانسان الذي عرفة سارتر ب"الانا الذي ليس انا " اي الذات المختلفة والمغايرة للانا .

ان تموضع الانا والغير في اطار المجتمع يدفع بالضرورة الى نسج علاقات مختلفة ومتنوعة يؤطرها هذا الاخير, يقننها ويرسم حدودها , هذه العلاقات تمليها احيانا الضرورة البيولوجية او النفسية ... واحيانا اخرى تمليها اعتبارات شخصية متعددة ومختلفة وبغض النظر عن هذه الاعتبارات يبقى وجود الغير ضروري لوجود الانا لذلك يقول ميشال تورنيي "ان الحصن الاكثر امانا ضد الوهم البصري وضد الاستيهامات وضد حلم اليقظة والهذيان والاضطراب السمعي هو الغير " ان الغير اذن من خلال حضوره يسهم بشكل قوي في تاسيس معرفتي لذاتي واكتسابي لمقومات وجودي وانسانيتي لذلك يقول سارتر " ان الغير هو الوسيط الذي لا غنى عنه بيني وبين نفسي " هذا التاثير الذي يمارسه الاخر تتجلى ملامحه الايجابية حينما تكون الرابطة التي تجمعني به هي رابطة حب وصداقة فالحب كما اعتبرته حنا ارنت هو : "وحده القادر على الصفح مادام وحده يعرف تمام المعرفة كيف يفتح ذراعيه للشخص الى حد الاستعداد الدائم للصفح عما بدر منه ".

الحب وما يترتب عنه من صفح , تسامح واحترام يفضي الى تقدير الشخص من حيث هو ذات انسانية تمتلك الكرامة مما يستوجب التعامل معها كغاية لا كوسيلة , هذا الحب الذي كثيرا ما نجده في العلاقات الانسانية يتجسد احيانا في الصداقة هذه القيمة التي اعتبرها ارسطو تعاطف او تضامن بين شخصين وهي تشمل بمعناها الواسع كل الروابط الاجتماعية من روابط الاسرة الى رابطة المدينة الى رابطة الانسانية وهي ضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها لذلك يقول " ان الصداقة ضرورية للحياة فبغير الاصدقاء لا أحد يريد العيش وحيدا حتى وان كان ينعم بكل الخيرات الاخرى" . لكن رغم اعترافه بقيمة الصداقة الا انه ميز في اطارها بين ثلاثة انواع وهي : صداقة اللذّة وصداقة المنفعة وصداقة الفضيلة ففي النوع الاول والثاني يحب الشخص ما يحققه من منفعة او لذة وليس شخص الصديق , فالصداقات من هذا النوع دنيئة واهية تنقضي بانقضاء الحاجة وبهذا فهي دائما متقلبة , أما صداقة الفضيلة فهي الكاملة والباقية ما دامت تقوم على بذل الجهد وتبادل المحبة والايثار والسعي الدائم لتحقيق الخير لذاته وليس رجاء غاية او منفعة ولهذا لو قامت هذه العلاقة بين الناس لما احتاجوا الى العدالة والقوانين .

بناء على ما سبق الصداقة ينبغي ان تتاسس على الفضيلة اي على اسس اخلاقية منزهة عن اية منفعة او لذة وهو المعنى الذي دافع عليه كانط حين قال " لا يجب ان تقوم الصداقة على منافع مباشرة ومتبادلة بل يجب ان تقوم على اساس اخلاقي خالص " وكاننا بالصداقة غائية بدون غاية اي هي غاية في حد ذاتها .

ان النظرة المتفائلة جدا والطموحة جدا لعلاقة الانا بالخر قد تبدو مثالية وطوباوية جدا ان صحت العبارة اذ قد تقف في طريقها العديد من العوائق التي تشل فاعليتها وتحولها الى علاقة نفور وعداء وتشيء خاصة حينما تنعدم روح التواصل بين اطرافها وترتد كل ذات الى سجن انيتها المفقر والضيق من هذا المنطلق اكد ميرلوبونتي ان العلاقة مع الغير لا تتخذ طابعا تشييئيا الا اذا انسحب كل منا وقبع داخل طبيعته المفكرة واضحت نظرته للاخر لا انسانية حيث بدل ان تقبل افعال الغير وتفهمها, تخضعها للملاحظة وكانها افعال حشرة . من هنا يبقى التواصل وما يرافقه من تعاطف , تقبّل وتفهم هو السبيل الامثل لمعرفة الغير شريطة ان يقوم هذا التواصل على التعرف والعرفان والاعتراف المتبادل لكل منهما بفرديته ووعيه . ان التواصل اذن يظل ممكنا بين الذوات رغم وجود بعض العراقيل التي تساهم في تعطيله وتعليقه وانسداده لكنها لا تعدمه بتاتا وهو ما اكده ميرلوبونتي الذي قدم تصورا متميزا فيما يخص علاقة الانا مع الاخر تصورا يقوم على اساس التواصل والتفاعل والمشاركة الحية بدل النظر اليه من زاوية العقل القائم على التجريد والتقسيم والموضعة فالعالم والصداقة ليس ما افكر فيهما بل هما ما اعيشهما كتجربة صحبة الاخر .

ان هذا التواصل بين الانا والغير يؤدي الى محو كل اشكال الصراع والعداء ومن ثم يخلق روح الغيرية في الانية التي يمكن اعتبارها كما اكد ذلك اوغيست كونت جوهر الاخلاق الانسانية مادامت تسعى الى تثبيت المشاعر الانسانية وتهذيب الغريزة وكبح وتسييج ميولات الفرد الشخصية والانانية .

ن النظر الى علاقة الانا والاخر من هذا المنظور فقط سوف يؤدي الى استتباعات قد تتناقض مع واقع وتاريخ علاقة الانا والاخر الفردي والجماعي وهو ما قد يؤدي بنا الى القول بطوباوية وخيالية ومثالية هذه النظرة . فالقول بعلاقة الصداقة المبنية على الفضيلة قد يغفل عنا حقيقة العلاقة التي تجمعنا بالاخر كما نمارسها والتي تبين احيانا ان الاخر عدوا يتربص بنا لتدجيننا والسيطرة علينا ومصادرة كل مقومات انسانيتنا وهو ما يدفعنا الى النظر في الجانب الاخر من علاقتنا بالاخر فكيف يمكن ان يكون هذا الغير المغاير والشبيه في ان عدوا لي كذات ؟

ان هذه العلاقة وان كانت ضروية بين الذوات الا اننا اذا اقتصرنا عليها سنقع في نظرة احادية الجانب لا تستوفي حقيقة العلاقات البينذاتية التي يثبت التاريخ والعلاقات الانسانية وحتى النظريات العلمية انها قد تكون علاقة عداوة وصراع متبادل فجهنمية الاخر وجحيميته يمكن ان تتبلور من خلال سعي كل طرف الى تشييء الاخر وتحويله الى مجرد موضوع يجرده من خصائصه الانسانية , هذه العلاقة المتوترة بينهما تطرح اشكالا اجتماعيا وازمة تواصل ما دمت انظر الى الاخر كموضوع فاقد لكل مقومات الوجود الانساني من حرية ووعي وارادة لذلك يصبح الاخر كما بين سارتر مصدر خطر مادام وجوده نفي لوجودي ولانسانيتي مما يولد علاقة متعثرة قد تتطور الى الصراع حتى يصبح الاخر جحيما يهددني ويمنعني من التحقق كمشروع . هذا الموقف كان قد اكده كذلك فرويد من خلال بيانه ان الانسان كائن عدواني بطبعه على اعتبار ان العداوة منغرسة لديه ضمن معطياته الغريزية الفطرية فالانسان محكوم بالايروس (الرغبة في الحياة ) والتناتوس (الرغبة في الموت والقتل ) ومتى تخارجت هاته الرغبات عن الذات وتوجهت الى الاخر سيكون موضوع لرغباتي اتلذذ بتعذيبه ضمن سلوك سادي (التلذذ بتعذيب الاخر ) وهو ما ينشأ علاقة صراع على اعتبار ان العداوة ستكون مشتركة وهو ما يبين ذئبية الانسان على حد وصف هوبس الذي قال "الانسان ذئب للانسان " فيتحول الوجود بذلك الى حلبة صراع وحرب معممة هي على حد عبارة هوبس كذلك " حرب الكل ضد الكل ".

هذه الجهنمية والعدائية تتأكد كذلك من خلال واقع وتاريخ العلاقات الانسانية الذي يثبت العديد من الاعمال والممارسات شديدة الدموية والتي تبين ان الانا لا يتغذى الا على حرية نظرائه ودمائهم من خلال السيطرة والتدجين والتطويع والقتل . فعلاقة الانا مع الغير اذن قد تأخذ شكلا عدائي تعمق الهوّة بينهما .

يصعب اذن حصر علاقة الانا مع الاخر في قالب واحد بل ان العلاقة بينهما اتخذت ابعادا متعددة وهو ما يعني ضرورة حضور الاخر والانا معا لكن شرط تجاوز كل مظاهر العنف والعداء وتاسيس هذه العلاقة على التسامح والتواصل والمحبة اي طلبا للصداقة التي قد تفترض ان يكون الصديق عدوا اي له القدرة على ممارسة عداوة تجاه صديقة لفضحه وتعريته امام ذاته حتى يتمكن من السمو على كل مواطن الضعف فيه وبالتالي التحقق كذات وذلك ما أكده نيتشة حينما قال " يجب ان يكون لك في صديقك افضل عدو" حينها سيكون الاخر شريكا فاعلا في الوجود والعالم ونتوحد معه في المصير والوجود لانه لا وجود لذات لذاتها بل ان الغير المغاير يتموضع فينا ويساهم في بناء انيتنا وهويتنا فهو اذن الصديق العدو القادر على انتشالنا من قمقم انانيتنا الى كونيتنا وانسانيتنا لكن الصديق بهذه المقاييس هل هو موجود حقا ؟ هذا التساؤل لعله كان منطلقا للتوحيدي حينما قال " اه يا صديقي لم يعد هناك من صديق " وهو ما قد يجعل من الصداقة قيمة يلهث الانسان في البحث عنها دون ان يدركها .

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموضوع : " ان النمذجة العلمية لم تغير من نظرتنا للواقع فحسب بل غيرت نظرتنا للعقل والحقيقة كذلك" ما رايك؟

النجاعة والعدالة .في العمل

ان الاختلاف لا يهددني وانما يثريني . ما رأيك؟