العمل بين الاغتراب والتحرر


العمل بين الاغتراب والتحرر


التخطيط

1 العمل كمصدر للاغتراب
2 العمل كمصدر للتحرر


تمهيد :
 
ان عصرنا اليوم هو عصر العمل وحضارتنا هي حضارة العمل وهو ما يبين مكانة العمل اليوم والتخلص من النظر اليه كلعنة في اتجاه النظر اليه كفعل انساني منتج للنفع والقيمة والثروة ,,, وكشرط من شروط تحقيق انسانية الانسان بكل ابعادها ,,, لكن حين نعاين مسألة العمل يكون الاغتراب امرا واقعا ليكون بالمقابل مسعى التحرر طموحا قد يتلاشى امام الاغتراب , وكأننا امام تناقض صارخ بين ما نريده وما يفرضه الواقع فهل يدعونا ذلك الى اليأس والاستسلام لقدرية الاغتراب ليكون العمل لعنة راسمالية ؟

دلالة الاغتراب :
يحمل الاغتراب معنى الاحساس بالانفصال وفقدان الروابط الضرورية التي تجمع الذات بالاله في الدلالة الدينية او الذات بالاخرين في الدلالة الاجتماعية الا انها تصبح اشد حدة حين تتحول الى فقدان الذات الروابط الضرورية مع ذاتها اثناء العمل سواء من جهة النشاط ذاته كممارسة او من جهة الانسان كغاية لكل ممارسة , ذلك ان الاغتراب هو بالاساس " طرد الانسان من ذاته " على حد عبارة روجي غارودي . ليتضح اذن ان الاغتراب هو انفصال بين الانسان وذاته , واذا كنا نتحدث عن الانفصام في الشخصية كحالة مرضية في علم النفس ,فان الاغتراب في العمل يبدو اكثر خطرا وفضاعة ذلك انه يحاصر العامل في جميع المستويات . المغترب اذن هو من لا يكون سيد نفسه ومن الاكيد ان الاغتراب في العمل ناتج عن عدة وضعيات وظروف هي التي تمثل دواع للقول بان العمل مصدر اغتراب . 


1
العمل كمصدر للاغتراب:
العمل المأجور ضمن المجتمعات الراسمالية يثير في الانسان نفورا مرعبا ليهرب العامل من الشغل هروبه من الطاعون على حد عبارة ماركس ذلك ان العمل ليس اشباعا لرغبة ولا يحمل اي جاذبية تجعل الانسان يميل اليه ويقبل عليه لان الممارسة فقدت قيمتها لفصلها عن الحرية كمبعث للابداع , كذلك افقدت الغاية التجارية العامل كل قيمة فحين نكون ازاء واقع العمل تتحطم كل نزعة انسانية للعمل نفسه لذا يمكن القول ان العمل كان قديما لعنة الهية ميتافيزيقية فأصبح اليوم لعنة رأسمالية بما انه واقعة تعذيب واستلاب واغتراب فما دلالة الاغتراب؟

ب - دواعي القول بان العمل مصدر اغتراب
لقد اصبح العمل في ظل المجتمعات الحديثة مصدر اغتراب للانسان واداة لاستعباده وذلك لعدة اسباب :
ظروف العمل داخل النظام الراسمالي الذي يفرض تنظيم العلاقات على مبادئ الملكية الخاصة لوسائل الانتاج , الحرية الاقتصادية كما يفرض نظام العمل المأجور الذي يفرض على العامل بيع قوة عمله مقابل أجر .
    الانسان يندفع للبحث عن عمل تحت ضغط الضرورة الحيوية والاجتماعية فهو اذن تعبير عن خضوع لسلطة الحاجة والفقر والضرورة ,
   العامل اثناء مزاولته لعمله لا يكون ملك نفسه بل عادة ما يكون عبدا لــ:
      - سلطة العرف الذي يملك سلطة تحديد نوعية وكمية العمل وشروطه واجره بينما يقتصر دور العامل على الخضوع والطاعة .
      - سلطة الالة : حيث تفرض الالة على العامل حركات معينة فالعمل المفتت والمتسلسل يكرس " روبوتية العامل " ويسلبه وعيه وارادته وقدرته على الابتكار ويجعل منه الة ادمية ملحقة بالة ميكانيكية ,,هذا اذا لم يؤدى الامر الى الاستغناء على الانسان واحلال الالة مكانه فكلما طبق مبدأ تقسيم العمل "تقدمت الصنعة وانحط الصانع" كما يقول دي توكفيل . بالاضافة الى ذلك يفرض تقسيم العمل قيام العامل بمهمة واحدة يكررها طيلة بوم العمل فيحرم العامل بذلك من " لذة التتويج " اي لذة انهاء العمل .


تقسيم العمل يرتبط بانتاج اكثر عدد ممكن في اقل وقت ممكن وذلك ما لا يسمح للعامل حتى بالالتفات الى غيره  فيجد نفسه مغتربا عن بقية العمال ذلك ان العلاقات حددت على اساس التفرد وفق غاية الربح والمردودية ولا تسمح بالتعامل خارج هذه الغايات ,فما كان يتمتع به العامل الحرفي من الحرية وعلاقات اجتماعية اصبح متعذرا ضمن نظام التألية والتشيئة , وحتى الحلول الساعية الى تجاوز الاغتراب خارج العمل بقيت وهمية وشكلية , فاقامة منتزهات ودور ترفيه ورحلات سياحية ترفيهية وغيرها لا يمكن ان تكون الا منحصرة ضمن انتظام حسابي للراحة والترفيه باعتبارهما استعادة للنشاط الذي يقع بيعه في اليوم الموالي وهذا ما تفطن اليه نيتشة بقوله " اذا ما وجد الانسان بعض اللذة اثناء الاختلاط بالناس ,,, فانها من نوع اللذات التي يختص بها عبيد مرهقون ".
        بهذه المعاني يتجاوز تقسيم العمل العمل نفسه ليصبح تقسيما للحياة وتحكما في العلاقات الاجتماعية للعامل ولمحيطه النفسي , فلا راحة الا لاستعادة  الجهد لبيعه في اليوم الموالي ولا لذة ومتعة الا للاعتناء بالجسد كألية انتاج ولا علاقة مع الاخر الا ضمن حتميات العمل واكراهاته والياته.
- اغتراب العامل عن منتوجاته التي لم يعد بامكانه التحكم فيها فبقدر ما ينتج العامل الثروة يزداد هو فقرا واحتياجا .
نتيجة :هذه الوضعيات الاغترابية تؤدي الى اغتراب ظاهرة العمل ككل التي بدورها تؤدي الى : اغتراب حقوقي مفاده " لا حق لمن يعمل وكل الحق لمن لا يعمل " واغتراب اجتماعي مفاده " لا ثروة لمن يعمل وكل الثروة لمن لا يعمل " ثم اغتراب سياسي مفاده " من يعمل لا يحكم وكل الحكم لمن لا يعمل " . لكن هل تفضي هذه الوضعيات الى اليأس من العمل كأداة للتحرر أم ان العمل رغم ذلك لا زال يحافظ على وظيفته الثورية التحررية ؟

2 العمل كمصدر للتحرر:

يرى سارتر ان العمل هو عنصر ثوري بالاساس فهو يحرر الانسان حتى في ظل الراسمالية والتيلرة والمكننة ويتبلور الدور التحريري للعمل في :

 - نفي نظام السيد والعبد اي تحرير العامل من طقوس المعاملة والنفاق واثارة الاعجاب التي التي كانت تسود علاقة السيد بالعبد ,فالتيلرة بماهي نظام تخصصي ترفع من درجة كفاءة العامل ومهارته وتتأصل علاقته بالاشياء بدل علاقته بالاشخاص , ثم اذا كان العبد ملك سيده داخل وخارج اوقات العمل فان العامل يسترد سيادته على ذاته خارج اوقات العمل .

- تحقيق السيطرة العقلانية  على الاشياء المادية الطبيعية فالعالم الذي نعيش فيه اليوم هو من صنع الانسان وتجلّ لارادته الغازية فكأننا بالعمل المنتج هو تحقيق لذاتية الانسان وابراز لها فمنتوجاته هي مخلوقات تجعل منه خالقا مبدعا قادرا على تطويع حتمية المادة والتحكم فيها والسيادة عليها .
- المكننة كلما تطورت مكنت الانسان من التحرر من الاعمال الشاقة وخففت من معاناته في العمل ومكنته من السيطرة الفعلية على الطبيعة وتسخيرها لصالحه . 

- العمل بماهو فعل منتج للنفع يحقق ضروريات الانسان وبالتالي تحرير الانسان من أسر الضرورة , فالحرية بذلك تمر عبر الضرورة , فقد اصبح من الممكن تجاوز الكبت وتصعيد الرغبات بدل قمعها وذلك من خلال " نقل مكونات الليبيدو النرجسي منها والعدواني الى مجال العمل " وتحويل الرغبات عبر الاعلاء والتصعيد الى اعمال انسانية نافعة دالة على الانسان ومموضعة له وهو ما مكن الانسان من الانتصاب كارادة غازية وكقوة منتجة امام الطبيعة وفاعلة فيها وسيدة عليها.
 نتيجة : العمل اذن هو العنصر الثوري الذي يحرر الانسان , والحرية ليست امرا معطى بل هي حركة دؤوبة تتحقق عبر التحرر من اسر الضرورة الطبيعية والبيولوجية والاجتماعية والنفسية عبر تلبيتها وتحقيقها بواسطة العمل وهو ما دفع بفولتير الى القول " يحررنا العمل من ثلاث افات : القلق والرذيلة والاحتياج ".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموضوع : " ان النمذجة العلمية لم تغير من نظرتنا للواقع فحسب بل غيرت نظرتنا للعقل والحقيقة كذلك" ما رايك؟

النجاعة والعدالة .في العمل

ان الاختلاف لا يهددني وانما يثريني . ما رأيك؟