مقال فلسفي للسنة الرابعة اداب ( نص حول الخصوصية والكونية )

مقال فلسفي للسنة الرابعة اداب (الخصوصية والكونية )

النص:

العولمة يمكن ان تقود الى دمار وخراب وسيطرة من قبل الدول المهيمنة اليوم . طالما لم ننجح في بلورة استراتيجيا للمواجهة , ومع ذلك فان العولمة لا تقود  بالضرورة الى الخراب , لكن بدون دفاعات حقيقية ثقافية واقتصادية وسياسية لدى القوى الضعيفة , فان أحادية السيطرة لن تولد غير التناقض السلبي والاكراه وتعميق الهوة بين الشمال والجنوب . المهمة الرئيسية هي فهم الامكانات التي تفتحها العولمة من أجل اطلاق اليات التنمية الحقيقية في العالم وتحديدا في العالم النامي . الامكانات الواقعية موجودة وما دمنا لم ننجح في اقامة  تحالف "عالم ثالث " قوي يستطيع ان يغير في نظرنا العولمة , ويعيد ترجمتها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي , فاننا لا محالة سنبقى نعيش ظاهرة الاستلاب . لا بد من العمل على بلورة قطب دولي من عالمنا يواجه القطب الدولي المسيطر ويتفاعل معه , وعندها يمكن الحديث عن توازن دولي وعولمة ايجابية .

برهان غليون . من مقابلة منشورة في مجلة " العلوم الاجتماعية " 



التخطيط: 

يشهد العالم اليوم تحولات كبرى على مستوى العلاقات بين الدول والشعوب والثقافات تندرج ضمن مسار العولمة الذي يعتقد الكثيرون انها سيرورة تشكيل نظام عالمي جديد يجعل من العالم عى اتساع ارجائه واختلاف مناطقه وثقافات شعوبه قرية كوكبية يشترك سكانها في تقاسم ثمرات التطور التكنولوجي من وفرة ورفاه وحرية , غير ان ما تزامن  مع هذا النظام من ظواهر الحرب والهيمنة جعل الكثير من المفكرين يدقون اجراس الخطر والتمترس لصد الخطر المحدق بالجميع وخصوصا ببلدان الجنوب جراء العولمة .

ضمن هذا الاطار يمكن ان ندرج هذا النص المقتطف من مقابلة منشورة في "مجلة العلوم الاجتماعية " للمفكر برهان غليون الذي يدرس فيه مخاطر العولمة وسبل التصدي لها .

فهل ان العولمة هي مسار تحول العالم الى قرية كونية وواحة امن وسلام وحرية يتقاسم فيها الجميع ثمرة التطور العلمي والتكنولوجي والتنظيمي ام هي مسار سيطرة الدول الراسمالية الكبرى على العالم وتخريب بقية الدول بحيث لا سبيل للتصدي لمخاطرها بغير عقد تحالف بين دول العالم الثالث ؟

ما المقصود بالعولمة ؟ وفيم تمثل تديمرا وخرابا لشعوب العالم الثالث؟

ماهي شروط استعادة التوازن العالم والفوز بعولمة ايجابية ؟

الى اي حد يمكن لبلدان العالم الثالث تشكيل قطب دولي مضاد ؟


التحليل : 

1 تعريف العولمة :

العولمة لغة هي لفظة مشتقة من العالم وعولمة امر ما جعله عالميا اي جعله يتخذ بعدا اوسع من البعد المحلي الوطني او القومي .

اصطلاحا : العولمة هي ظاهرة معاصرة رغم ظهور عولمات صغيرة قديما (مثل حركة رومنة العالم وحركة نصرنة العالم ثم حركة اسلمة العالم ) , وتتمثل في سيرورة انتشار الثقافة الغربية بمكوناتها الاقتصادية (النظام الراسمالي اي اقتصاد السوق ) والتكنولوجية والقيمية ( القيم المادية والفردانية والاستهلاكية ) على الصعيد العالمي . فهي مسار تعميم الثقافة الغربية على مختلف اصقاع العالم على امتداد الكرة الارضية وذلك ما يفسر القرابة الدلالية بين العولمة ولفظ الكوكبية .

شروط امكان العولمة

ليست العولمة ظاهرة مسقطة ومعزولة بل هي نتاج العديد من التحولات التاريخية الكبرى التي سمحت للمجتمعات الغربية بفرض سيطرتها وقيمها على بقية المجتمعات وهي خصوصا انفراد هذه المجتمعات منذ فجر الحداثة ب :

- تحقيق سبق علمي وتكنولوجي نظرا لانفراد المجتمعات الغربية بالقيام بثورات علمية وتكنولوجية وفرت لشعوبها المعرفة والقوة التقنية الكافية لتحديثها سياسيا واقتصاديا وبيروقراطيا ... 

-قيام الثورة الاتصالية والالكترونية كامتداد للثورة التكنولوجية في مجال الاتصال والاعلام والمعلومات وهو ما سهل اتصال الشعوب الغربية بعضها البعض وتثاقفها وحتى تحالفها وسهل عليها ايصال ثقافتها وقيمها ومصالحها الى بقية الخصوصيات في العالم .

-انهيار المعسكر الاشتراكي على اثر سقوط الاتحاد السفياتي وهو ما جعل من المعسكر الراسمالي المبني على اقتصاد السوق المبني على قيم المنافسة والتبادل الحر والربح والاستهلاك ,القوة الوحيدة المسيطرة على العالم وليكون نظاما معمما على صعيد عالمي .

نتيجة : العولمة في معناها العام هي انتشار الثقافة الغربية على صعيد العالم وبتعريف اقتصادي العومة هي عالمية النظام الراسمالي ولواحقه السياسية والثقافية والاجتماعية والقيمية .

2 العولمة تخريب لدول العالم الثالث :

تمثل العولمة تهديا جوهريا لكافة الشعوب والدول غير الغربية فهي تفضي الى :

- اقتصاديا : الحاق اقتصاديات البلدان النامية بالاقتصاد العالمي وتكريس تبعية اسواق المال والاعمال المحلية والوطنية بالسوق العالمية الحرة التي تهيمن عليها الشركات المتعملقة العابرة للقارات والقوميات وتفرض عليها منوالا وحيدا للتنمية وهو المنوال المبني على الخوصصة واقتصاد السوق رغم ما ينجر عنه من مشاكل اجتماعية مثل الاستغلال وتحرير الاسعار والبطالة والغلاء المعيشي والفقر .

-سياسيا : اضعاف سيادة الدولة وتكريس تبعية الدول النامية الى دول المركز اي اخضاع الجنوب الى الشمال عن طريق تحول العالم الثاثل الى ساحة مستباحة سياسيا واقتصاديا من قبل الدول الكبرى وافقاد الدول الضعيفة حتى القدرة على المطالبة بحقوقها الوطنية والتاريخية في مجال الصراعات الدولية الكبرى فخلفت العولمة اذن السيادة المهدورة .

ثقافيا: ان تدفق السلع والتجهيزات التقنية من جهة الدول الصناعية الكبرى يحمل معه قيم وتقاليد . اذ تتجلى خطورة العولمة في فرض ثقافتها على البقية وفي تكريس نظم عيش تتناسب مع الحياة الجديدة التي يفرضها تدفق السلع وهو ما يؤدي الى اشاعة ثقافة الاستهلاك وقيم الفردانية وهو ما يؤدي الى تصدع الهوية وتفكيك هوية الشعوب وتهديد خصوصياتها الدينية والاخلاقية واللغوية عن طريق وسائلها التقنية الجديدة كالاعلام والاشهار والدعاية ... ان اخطر ما ترتب عن عولمة راس المال الاقتصادي هو تهديد راس المال التراثي والقيمي للشعوب المهيمن عليها وفرض نموذج حياة موحد  على جميع الثقافات والهويات تذوب وتنصهر فيه الاختلافات والخصوصيات نحو تماثل مصطنع هو من انتاج ايديولجيا العولمة ووسائلها .

نتيجة : العولمة تهديد بل هي مشروع محرقة عالمية او كارثة كونية تتهدد شعوب العالم عبر جعلها شعوبا مستلبة الهوية والخصوصية ومنهوبة الثروات وتحويل مواطنيها الى مشاريع مستهلكين او مشاريع مهاجرين او كذلك مشاريع ارهابيين لذا فالعولمة جعلتنا نعيش زمن الحدود المطموسة والسيادة المهدورة والقيم المبتذلة عبر تفشي ثقافة البنوغرافيا اي ثقافة الجنس والعهر والفجور ...

3 شروط استعادة التوازن :

الاشارة الى ان العولمة ليست بالضرورة خرابا بمعنى انه يمكن لشعوب العالم الثالث متى وعت مغالطة ايديولوجيا العولمة ومتى ادركت الخطر واستفادت من الامكانات التي تتيحها العولمة خصوصا التقنية منها وامكاناتها الخاصة اي مواردها الطبيعية والبشرية ان تتصدى للعولمة الراسمالية المتوحشة .

ان التصدي للعولمة المتوحشة التي تكرس سيطرة الاقوياء على الضعفاء يفترض عقد تحالف بين دول العالم الثالث . اي يشترط ان تتحالف الدول والشعوب المهيمن عليها وان تطور الياتها الدفاعية الاقتصادية والثقافية والسياسية من اجل انشاء قطب عالمي يوازي في مداه وقوته قطب الراسمالية المهيمن حاليا . فلا سبيل لمقاومة العولمة الاقتصادية بمحاولات فردية او بالانغلاق والوقوع في النزعة الذاتوية او السلفية والماضوية الاصولية بل بتكتل الدول الضعيفة النامية وتنظيم نفسها على نحو يسمح لها بمواجهة اقتصادية وثقافية للدول الكبرى وهو السبيل الوحيد للفوز بعولمة مضادة ومن ثمة جعل العالم اكثر توازنا واقل خطرا .


النقاش :

المكاسب : تكمن مزايا اطروحة النص في :

-التنبيه لمخاطر العولمة المحدقة بدول العالم الثالث وشعوبه في ظل العولمة الراسمالية الراهنة .

- تجاوز الاطروحات والايديولجيات الموالية للعولمة على غرار اطروحة فوكوياما الذي يرى ان اكتمال التاريخ لن يتم الا باعتناق الجميع للفكر الليبيرالي للالتحاق بالعالم المتقدم حتى يكون العالم واحة امن وحرية وسلام .

-من خلال مواقف الكاتب في النص يمكن الكشف عما يسلم به ضمنيا وهو ايمانه بان العولمة المادية ليست مسارا حتميا يجب المرور به نحو الاكتمال وتحقيق قيم انسانية كونية بل يمكن ان تكون العولمة ايجابية بشروط . كما انه لا يؤمن بالانغلاق على الخصوصية كسبيل لحمايتها من خطر العولمة والتمترس ضمن جيوب مقاومة للمد العولمي , وهو ما يجعله ينبه الى ضرورة الانفتاح مراهنا بذلك على فكرة ان الانفتاح المثمر مشروط بخلق توازن عالمي او بناء عالم ثنائي الاقطاب ليكون اطار تفاعل وتثاقف وتنوع ضمن وحدة الانسانية .


الحدود : 

الاشارة الى ان مخاطر العولمة لا تنحصر في بلدان العالم الثالث بل للعولمة عواقب وخيمة حتى على الثقافة الغربية مهدها ومنطلقها , فهي كما يقول بودريار مشروع موت للثقافة الغربية بسبب فقدان خصوصيتها واهلاك ما هو انساني كوني فيها , فالعولمة فرضت على الثقافة الغربية ان تخفض الى درجة الصفر من القيمة بان تحول قيمها الكونية الانسانية الى بضاعة تصدر خارج حدودها رغم ان القيم اذا تعممت اقتلعت من جذورها فيكون مالها الموت الحتمي .

ان دعوة الكاتب الى انشاء تحالف دول عالم ثالث وتكتل شعوبه ودوله ضمن قطب مضاد لخلق عولمة ايجابية هي فكرة لا تخلو من الطوباوية فاذا كانت كل الدول وثقافات العالم الثالث هي مساحات تصول فيها الدول الكبرى وتجول وكأنها ملكية خاصة فهل ستسمح هذه الاخيرة بأن ينشأ تحت انظارها كيان جيوسياسي يهدد كيانها ومصالحها ؟


الخاتمة : 

الانتهاء الى ان العولمة في شكلها الراهن هي حقيقة تاريخية تفرض نفسها بنفسها على الجميع وان مقاومة الاخطار والتهديدات المنجرة عنها تبدأ بالوعي بزيف ما تروجه دعاية العولمة نفسها من انها امبراطورية الرفاه والحرية والوفرة والديمقراطية . ان الطريق الى التحرر من عنف العولمي يبدأ بالانتباه الشديد الى ما يدسه بين طياته من مشروع امبريالي .





تعليقات

  1. The King Casino | Review of Casino | RTP - Joker
    The poormansguidetocasinogambling king casino review https://deccasino.com/review/merit-casino/ - everything you need to know https://jancasino.com/review/merit-casino/ about this popular casino. It's www.jtmhub.com all about quality and quantity. goyangfc.com

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الموضوع : " ان النمذجة العلمية لم تغير من نظرتنا للواقع فحسب بل غيرت نظرتنا للعقل والحقيقة كذلك" ما رايك؟

النجاعة والعدالة .في العمل

ان الاختلاف لا يهددني وانما يثريني . ما رأيك؟